أثبتت المرأة السورية على مدار اثني عشر عاماً من القصف و النزوح و التهجير قدرتها على إيجاد الشيء من العدم، و كانت رغم الصعوبات المحيطة بها مثالاً يحتذى به في قدرتها على أن تكون العون والسند للاب و الأخ و الزوج، حيث لعبت دوراً محورياً في نهضة المجتمع منذ القدم و حتى الآن ، إلا أنها واجهت صعوبات عديدة في سبيل إثبات جدارتها و تحصيل حقوقها على جميع الأصعدة.

عمد المجتمع الشرقي على تسخيف وتقليل دور المرأة و حصرها بمحيط المنزل و جعلها آلة للتكاثر و الطبخ، متناسياً أهمية دورها في كونها تعمل على تربية الجيل القادم، ف سواء صحتها النفسية و البدنية يعادل صحة المجتمع مستقبلاً، و يزيد المجتمع حصاره على المرأة كلما فقدت العنصر الذكري الموجود في حياتها كالأب و الأخ أو الزوج، و تكون نظرته للأرملة أو المطلقة مختلفة جداً حتى يكاد يحسب عليها عدد الأنفاس.

حيث أشارت الدراسات أن نسبة مشاركة المرأة في صناعة القرار لا تتعدى5.6% في الدول العربية والإسلامية فيما تصل إلى 39.7% في الدول الاسكندنافية و 31% في الدول الأوربية و17.6% في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك حسب تقرير المركز الديمقراطي العربي .

 

حين تكوني أما و أبا في ذات الوقت

عائشة أم حسن شابة في أواخر العشرينات، فقدت زوجها بعد وصولها إلى الشمال السوري بعد التهجير القسري لأهالي حمص، تصف عائشة تجربتها المريرة بأنها أشبه بالموت البطيء بسبب النظرات و الأسئلة التي تتلقاها من المحيطين بها، خاصة بعد معرفتهم بعدم وجود أحد من أهلها أو أهل زوجها، حيث تقيم عائشة مع أطفالها الثلاثة في منزل مستأجر، فقد فضلت أن تكمل حياتها منفردة وترفض كل عروض الزواج التي تعرض عليها بسبب خوفها على أطفالها، و عملت منذ فقدان والدهم على تنشئتهم بأسلوب حياة خاص بهم، و تفخر بشدة كون أولادها حافظين للقرآن الكريم رغم صغر سنهم، في حين تخشى جداً كلام المجتمع عنها بعدما قررت متابعة دراستها الجامعية التي تركتها منذ حصار حمص، تستطرد عائشة بوصف وضع العائلة بدون أب بأنه صعب للغاية لكنها تجهز طفليها ليكونا رجلا منزلها في المستقبل و السند لها و لابنتها.

يكاد الرجال في الشمال المحرر يعجزون عن تلبية تكاليف المعيشة، حيث يستهجن المجتمع قدرة أرملة بثلاثة أطفال على العيش دون استقرار مادي و هذا الذي يحصرونه فقط بوجود الرجل، إلا أن كفالة الأيتام من قبل بعض المنظمات العاملة أو بعض الأيادي البيضاء في الخارج تسهل قليلاً الوضع المعيشي على عوائل الأيتام .

 

دور الرجل في دعم المرأة

السيدة أم ضياء ربة منزل و مهجرة من الغوطة الشرقية، عانت مع زوجها و أولادها شظف العيش و مرارة الغربة، و بسبب عدم الاستقرار و الحيرة بين السفر خارج سوريا و بين البدء بحياة جديدة هنا، تأخر اندماجهم و تقبلهم للمجتمع الجديد، فقررت أم ضياء أن تجد لنفسها سبيلاً يخرجها من الشعور بالوحدة و الملل و تذكرت حبها للأعمال الورقية و بحثت عما تطلبه النساء و المعلمات حولها، فبدأت العمل ب ورق الفوم و توابعه، و بدأت تصمم بالورق المقوى و الفوم أشكال و رسوم لتزيين المنازل و الصفوف المدرسية و ما إلى ذلك، في حين رحب زوجها بمشروعها البسيط و شجعها على البدء حين ابتاع لها كل مستلزمات العمل، ثم بدأت بتصميم الأشكال و نشرها على المجموعات النسائية في مواقع التواصل الاجتماعي، فتحت أم ضياء لنفسها آفاقاً جديدة و مخارج مختلفة قد تعوض فيها ما كانت قد حُرمت منه، فازدهر عملها و بدأت تستقبل الطلب تلو الآخر و بدأت تزيد من ثقتها بنفسها و بعملها و خبرتها فيه لتجد نفسها عضو فاعل و ليست عالة على أحد .

 

يكاد ينقسم المجتمع السوري بين داعم و محفز للمرأة و بين هادم و محطم لطموحها، فما زال الرجل يمتلك القرار النهائي في تحديد مصير ابنته إما الزواج أو التعليم أو بزج الطفلات منذ الصغر في العمل و يعود ذلك إلى البيئة التي تربى فيها هذا الأب، و من ثم تنتقل الوصاية من الأب إلى الأخ الأكبر، أو من الأب إلى الزوج، فإما يستمر حال المرأة على ذات المنوال الذي نشأت عليه، و إما يكون الزوج هو طوق النجاة الذي سيغير أسلوب حياتها و يعمل على دعمها و تطويرها .

 

ازدواجية المعايير عند بعض الرجال

يرفض الشاب فادي عامر عمل المرأة على العموم، و يحرض المحيطين به على تبني فكرته معللاً ذلك أنها الأعراف و التقاليد التي تربوا عليها، و أنه يفضل الموت على السماح لأي أنثى في عائلته على العمل أو القيام بأي شيء من شأنه تكوين شخصية متفردة خاصة بها، في حين يمنع زوجته منعاً باتاً من الذهاب إلى طبيب أو صيدلي و يبحث دائماً عن الأنثى في مختلف تعاملات زوجته، و هذه مفارقة صعبة الفهم لشريحة كبيرة من المجتمع تزدري المرأة المتعلمة العاملة في ظل حاجتنا لوجودها، بسبب أهمية كونها داعم و محفز لبنات جنسها اللواتي أجبرن على التقيد بعادات و تقاليد بالية قد تصل للحرمان التام من بعض حقوق الإنسان كالتعلم و حق اختيار الزوج الذي أقره الشرع و القانون معاً .

دور المنظمات في دعم المرأة

تعمل العديد من المنظمات في الشمال السوري المحرر على دعم و تمكين المرأة بمختلف الطرق، إما عبر التدريبات المهنية أو جلسات الصحة النفسية، حيث تعمل على تعليمهن حرفة و تأمين فرص عمل مقابل النقد، أو عن طريق عقد جلسات الدعم النفسي، كمنظمة إمداد للإغاثة و التنمية العاملة في عدة مناطق من الشمال المحرر، تعمل منظمة إمداد على إقامة مشاريع عديدة تهدف إلى توفير فرص عمل للنساء منها الحياكة و الصوف و الحلاقة النسائية و تقوم على تدريب المتقدمات لعدة شهور مأجورة، تنتهي التدريبات بتأمين فرص عمل و تفضل المنظمة دعم النساء المعيلات لعوائلهن و النساء الأرامل و المطلقات حتى يستطعن مواكبة الحياة دون الحاجة لأحد.

يلوم المدنيون بشدة نظام التوظيف لدى المنظمات، بسبب الطلب الزائد للعنصر النسائي على حساب الطرف الآخر، و يتهكمون فيما بينهم أن الأيام القادمة ستحكمها النساء في مختلف المجالات، حيث ينظر البعض في الشمال المحرر نظرة دونية للنساء العاملات في المنظمات خاصة العاملات في منصب يتطلب جهداً بدنياً و بنية قوية، و لعل البعض أيضاً يعايرهنَّ بذلك في تلميحات و كلام مبطن يدل على تقديم المرأة بعض التنازلات الأخلاقية حتى استطاعت الحصول على هذا المنصب في المنظمة، متناسين سنوات الدراسة و التعب حتى وصولها للتخرج، و ضاربين بعرض الحائط أهمية وجودها في هذه الأماكن نظراً للأوضاع الصعبة التي نعيشها من قصف و دمار و كوارث بيئية، و حادثة الزلزال الذي ضرب تركيا والشمال السوري في السادس من شباط ليست ببعيدة، فقد كان للنساء فيها دور عظيم أثبتت خلاله كفاءتها وشجاعتها و ضرورة وجودها الذي يترك أثراً طيباً أينما حلت

 

دور الإعلام في تناول قضية المرأة

” تكمن أهمية الإعلام في تناوله لقضية المرأة والدفع بها إلى الأمام بما يلعبه من دور في إبراز دور المرأة والمفاهيم المتعلقة بحقوقها في التعليم والمشاركة الاجتماعية وشغل المناصب العامة واختيار الزوج ورعاية الأمومة وغيرها من خلال الوسائل الإعلامية المتعددة باعتبارها وسائط ثقافية تربوية ترفيهية لها تأثير كبير في اتجاهات الرأي العام و بلورة الوعي العام لدى المجتمع ذلك كما كتب الصحفي عبد الرحمن عبد الوهاب ”

 

وتشير الدراسات أن تناول قضايا المرأة في وسائل الإعلام ما يزال يعاني من مشكلات لا يرتقي إلى مستوى التحولات التي شهدتها الساحة من إنجازات ملموسة خلال الفترة الماضية وتحديداً العشرين السنة الأخيرة في مجالات التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية والثقافية والإبداعية، وما زالت وسائل الإعلام تركز على إبراز دور المرأة التقليدي.

 

ما يزال بعض أفراد المجتمع السوري بحاجة ماسة لرفع مستوى الوعي و التقدير للمرأة بمختلف مهامها ربة منزل كانت أم عاملة، و ما نزال بحاجة إلى عقد جلسات توعية و ورشات عمل خاصة في الأرياف و المناطق النائية، لنبين أهمية المرأة التي تبذل جهدها لخلق توازن بين كينونتها الأنثوية التي لا يختلف على دورها أحد و بين حقها في تحقيق ذاتها واستقلالها و التمتع بحريتها و ترك بصمة تحسب لها في حياتها و تجعلها مثالاً يحتذى به ضمن إطار أخلاقي مجتمعي و حدود لا ينبغي لأحد تجاوزها ذكراً كان أم أنثى .

 

و في المحصلة لا نستطيع إنكار أن التطورات السياسية و الاجتماعية التي حدثت في السنوات الأخيرة، ساعدت على حدوث نقلة نوعية لدى شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، غيرت فيها نظرتهم للمرأة و بدلت لديهم الأفكار التقليدية و العادات البالية التي تجبر بعض النساء على الرضوخ و السكوت حتى عن حقها، و كذلك لا ننكر سعي المنظمات و المهتمين بشؤون المرأة في رفع الوعي و نشر الثقافة للنهوض بالمجتمع و دفعه نحو التطور وخلق بيئة مجتمعية متوازنة صحية و متساوية الحقوق و الواجبات بين مختلف أفرادها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى